وفي مجال يهيمن عليه الرجال تقليديًا، كانت حنان، التي نشأت في عائلة كبيرة تضم خمس شقيقات، رائدة في أكثر من مجال، وكانت تحلم بأن تصبح مهندسة معمارية، وأصرّت على تحقيق هذا الطموح رغم ما واجهته من اعتراضات من قبل عائلتها؛ حيث تستذكر ذلك قائلة: "لطالما كنت مفتونة بالهندسة المعمارية القديمة، لكن والدي أرادا مني أن أتبع تقاليد العائلة وأصبح طبيبة. بالنسبة لهم، لم تكن الهندسة المعمارية مهنة مناسبة للمرأة - بل كان يُنظر إليها على أنها مجال رجالي بالأساس. لم يكن الأمر سهلاً، لكن في النهاية، قبلوا اختياري ودعموني".
لقد جعل الصراع المستمر في اليمن رحلة حنان أكثر تحديًا، مما أدى إلى تعطيل حياة أسرتها وتسبب في صعوبات كبيرة. وبعد طلاقها، أصبحت المعيل الوحيد لابنتها الصغيرة بينما كانت تدعم أسرتها الممتدة خلال الصراع. حيث قالت: "لقد قلب الصراع حياتنا رأسًا على عقب". وأضافت: "أضحت المعاناة الاقتصادية والمالية وتواصل عدم اليقين والتحديات التي لا نهاية لها واقعًا يوميًا نعيشه. كان عليَّ أن أتحمل المسؤولية الكاملة عن ابنتي وأسرتي. كان الأمر صعبًا للغاية، لكن الاستسلام لم يكن خيارًا أبدًا".
وعلى الرغم من هذه التحديات، تابعت حنان حلمها وحصلت على شهادة في الهندسة المعمارية من جامعة عدن. ودفعتها رغبتها في المساهمة في الحفاظ على تراث بلدها ودعم أسرتها إلى الالتحاق بتدريب اليونسكو في مجال الحفاظ على التراث الثقافي في عام 2020 كجزء من مشروع ممول من اليونسكو والاتحاد الأوروبي، "النقد مقابل العمل: تعزيز فرص كسب العيش للشباب الحضري في اليمن (2018-2022). وفي هذا الصدد، تُشير حنان بالقول: "خلال سنتي الأخيرة في الجامعة، أردت أنا وأصدقائي تأليف كتاب صغير يحتوي على مخططات لمباني عدن". "كان ذلك عندما اكتشفت برنامج التدريب المقدم من قبل منظمة اليونسكو. شعرت وكأنها الفرصة المثالية للجمع بين شغفي بالهندسة المعمارية والحفاظ على تراث مدينتي".
ومنذ ذلك الحين، أصبحت حنان مشاركة نشطة في المبادرة الثقافية المشتركة بين اليونسكو والاتحاد الأوروبي في اليمن، والتي تطورت إلى مبادرة واسعة النطاق مدتها ثماني سنوات، بما في ذلك مشروع توظيف الشباب من خلال التراث والثقافة في اليمن (2022-2026). حيث تُتيح هذه المبادرة الإغاثة الاقتصادية للشباب المعرضين للخطر من خلال إشراكهم في ترميم وإعادة تأهيل معالم التراث الثقافي والصناعات الإبداعية.
وقد شاركت حنان بعد انتهاء التدريب، في تقييم شامل للمباني التاريخية في عدن، حيث قامت بمسح أكثر من 3000 مبنى لتوثيق حالتها. حيث عبّرت عن سعادتها بالقول: "كانت تجربة رائعة. لقد منحني كوني جزءًا من فريق التقييم فهمًا أعمق للتاريخ المعماري لمدينتنا وإدراكًا أوسع نطاقًا لقيمته والحاجة الملحة للحفاظ عليه وصونه".
خلال فترة لم تكن بالطويلة، أثبتت حنان قُدرات وإمكانات مميزة؛ وسرعان ما أصبحت المهندسة المقيمة، التي تشرف على ترميم المنازل التاريخية وتشرف على العمال. واكتسبت خبرة قيمة في إدارة أعمال البناء وتحسين مهارات التواصل لديها، وتعلمت كيفية التعامل بشكل فعال مع العمال والبنائين والمجتمع، بما في ذلك أصحاب المنازل.
وفي معرض وصفها لتجربتها تقول حنان: "كانت هذه تجربة تعلّمت منها الكثير، حيث أضاف التعامل مع الناس على المستوى الشخصي الكثير إلى تطوري المهني. وبصفتي مهندسة معمارية متدربة، لم أكن أعرف الكثير عن إعادة تأهيل المباني التاريخية، لكنني تعرفت على تقنيات ومواد لم تعد مستخدمة. إنها مختلفة تمامًا عن تصميم وبناء هياكل جديدة. يتطلب إعادة تأهيل المباني القديمة فهمًا عميقًا للأساليب العتيقة والمواد القديمة".
بفضل مثابرتها وتصميمها وقدرتها على الصمود، تمكنت حنان من تخطي المعوقات والحواجز المجتمعية. وأثبتت التزاما وحرصًا على إثبات قدرتها كأي مهندس ذكر، وكان أحد أكبر التحديات التي واجهتها هو كسب احترام العمال، الذين لم يسبق لكثير منهم أن عملوا تحت قيادة مهندسة أنثى. تتذكر حنان: "لم يكن الأمر سهلاً. لقد واجهت الكثير من الانتقادات، حيث اقترح الناس عليّ البقاء في المكتب لأداء أعمال التصميم بدلًا من التواجد في مواقع العمل مع العمال الذكور". وعلى الرغم من هذه العقبات، ظلت حنان تركز على دورها، ومن خلال تفانيها واحترافها، اكتسبت احترام فريقها. لتعبّر عن ذلك بالقول: "كان عليّ إثبات نفسي كل يوم، لكن عملي الجاد والتزامي ساعداني في كسب ثقتهم".
كما ترى حنان أن المشروع أحدث تحولاً في المجتمع، وقد شهدت بنفسها كيف تطورت تصورات الحفاظ على التراث الثقافي وصونه. وتقول في هذا السياق: "أصبح الناس الآن أكثر وعياً بأهمية الحفاظ على تراثهم، ويرون أنه ضروري للمستقبل والأجيال القادمة. لقد بدأوا في فهم القيمة التاريخية والمعمارية لمنازلهم. ولأول مرة، يرون منازلهم ليس فقط كمباني، بل كجزء من تراث المدينة. لقد رفع المشروع الوعي بأهمية الحفاظ والآن يدرك الناس أن حماية تراثنا مسؤولية جماعية - ولكل فرد دور يلعبه".
وتدعو حنان إلى إشراك المزيد من الشباب في صون التراث وحمايته، مؤكدة على أهمية تمكين الجيل الأصغر سنًا من حماية التراث الثقافي. وتقترح إنشاء مجلس للشباب يتم استشارته بشأن المشاريع المستقبلية، معتقدة أن مشاركتهم أمر بالغ الأهمية لضمان استدامة واستمرار هذا العمل الحيوي. وتقول في هذا الصدد: "إن إشراك المزيد من الشباب في هذه المشاريع أمر ضروري لضمان الاستدامة والحفاظ على تراثنا الثقافي للأجيال القادمة".
ألهمت حنان العديد من الشباب والشابات من خلال عملها، وكان ما قامت به بمثابة مثال قوي على مشروعية الطموح والقدرة على التكيف واكتشاف الذات وإطلاق العنان للشغف على الرغم من التحديات. وتعبّر حنان عن ذلك بالقول: "إذا عملت بجد، ودرست بجد، وآمنت بنفسك، فيمكنك إنجاز أي شيء. لا يوجد سبب يمنع النساء من القيام بما يفعله الرجال. لدينا نفس المهارات، وبالتفاني في تطوير تلك المهارات، ومواصلة دراستنا، والإصرار على تحقيق أحلامنا، يمكننا النجاح".
إن رسالة حنان واضحة: بالعمل الجاد والتفاني والإيمان بالنفس، يمكن لأي شخص - بغض النظر عن جنسه - تحقيق أهدافه وإحداث تغيير وتأثير مفيد.
تتجلّى من خلال رحلة حنان وتجربتها الملهمة دور منظمة اليونسكو والاتحاد الأوروبي في تمكين الشابات والشبان في اليمن، ليس فقط من خلال تحويل حياة الأفراد ولكن أيضًا من خلال المساهمة في بناء السلام والتعافي الاقتصادي والشمول بين الجنسين وتكيّف وصمود المجتمعات في جميع أنحاء اليمن.