وقد نشأت رادة وسط الصراع الدائر في اليمن، وحلمت بمستقبل حيث يمكنها المساعدة في إعادة بناء التراث الثقافي الغني لبلدها والحفاظ عليه. ومع ذلك، في مجتمع حيث غالبًا ما يتم كبح الطموحات المهنية للنساء، كانت رحلة رادة محفوفة بالتحديات. ولم يكسبها تصميمها الثابت وتفانيها في الحفاظ على الثقافة احترامها المهني فحسب، بل أسهم أيضًا في تغيير حياتها الشخصية
تعيش رادة في صنعاء مع عائلتها الكبيرة التي تضم والدها ووالدتها وخمسة إخوة وثلاث شقيقات. ومثل عشرات الآلاف من اليمنيين، تسبب الصراع المستمر في معاناة كبيرة لعائلتها، مما أدى إلى مشاكل مالية في ظل محدودية الدعم المقدم. ولم يترك هذا الافتقار إلى الاستقرار مجالًا كبيرًا لأحلامها وتطلعاتها. ومع ذلك، وبفضل دعم عائلتها، تخرجت رادة من جامعة صنعاء بدرجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية، مما مثل بداية رحلتها
لقد خططت في البداية للتقدم لدراسة الوسائط المتعددة، لكن والدي أصر على أن أدرس الهندسة المعمارية، لأنه رأى فرصًا أكبر لي في هذا المجال. كان الأمر صعبًا للغاية بالنسبة لي، حيث لم أشعر بالثقة وكنت خائفة لأن هذا المجال يهيمن عليه الذكور. ولكن وبفضل دعم عائلتي، تمكنت من التغلب على كل التحديات بنجاح
وبدافع من رغبتها في المساهمة في الحفاظ على تراث بلادها ودعم أسرتها، شعرت رادة بسعادة غامرة عندما اكتشفت مشروع اليونسكو "النقد مقابل العمل: تعزيز فرص كسب العيش" (2018-2022) الممول من الاتحاد الأوروبي. وقد توسع هذا المشروع إلى مبادرة أكبر مدتها ثماني سنوات، بما في ذلك مشروع "توظيف الشباب من خلال التراث والثقافة في اليمن" الجاري تنفيذه (2022-2026). وتهدف هذه المبادرات إلى توفير الإغاثة الاقتصادية للشباب المعرضين للخطر من خلال توظيفهم في إعادة تأهيل التراث الثقافي وإحياء الصناعات الإبداعية.
ومنذ عام 2021، شاركت رادة بنشاط في هذه المبادرات، وانضمت إلى آلاف الشباب اليمنيين في الجهود الرامية إلى إصلاح مدينتهم والمساهمة في تعزيز قدرة المجتمع على الصمود والتكيف. وتوضح رادة في هذا السياق بالقول: "نحن الشباب قادة المستقبل، والتراث جزء لا يتجزأ من هويتنا ومجتمعنا. وأعتقد أنه من واجبنا رفع مستوى الوعي والقيام بدور فعال في حماية تراثنا الثقافي". ومن خلال هذا المشروع، لم تساهم رادة في مجتمعها فحسب، بل حققت أيضًا الاستقرار المالي. حيث قالت: "لقد مكنني المشروع من مساعدة عائلتي على تحسين ظروف معيشتنا. وأنا الآن بصدد التخطيط لاستثمار ما استطعت توفيره لإنعاش مجال عمل والدي وهي تجارة وصناعة المواد المعدنية. وآمل توسيع الورشة وإنتاج منتجات توجه لسوق أوسع".
وقد تمكنت المبادرة - حتى الآن - من ترميم أكثر من 680 مبنى تاريخي وتوظيف أكثر من 7284 شابًا، من بينهم 781 امرأة، في مبادرات مختلفة لبناء القدرات وخلق فرص العمل. ولا تركز هذه المبادرات على استعادة الهوية الثقافية والتراث التاريخي فحسب، بل تعمل أيضًا على تعزيز المساواة. وتدرك منظمة اليونسكو الدور الحيوي للمرأة في المجتمع وتشارك النساء اليمنيات بنشاط في أنشطة التمكين من خلال توفير الفرص المهنية وتعزيز الأدوار القيادية.
وتقول رادة: "في بداية المشروع، شعرت بالقلق وافتقرت إلى الثقة في العمل في مجال إعادة التأهيل. وكثيراً ما سمعت همسات خلف ظهري تسألني: "ماذا تفعل هنا؟". وتجسد الإرادة التي تتمتع بها رادة التقاليد الثقافية اليمنية التي تتلخص في أن تكون المرأة عضواً مساهماً وفعالاً في المجتمع. إن المرأة في اليمن اليوم تتطلع لشخصيات نسائية تاريخية قوية مثل الملكة أروى بنت أحمد الصليحي التي تعد قصتها شهادة خالدة على التراث الثقافي اليمني.
هذا وتجدر الإشارة بأن رادة تلقت تدريبًا في مجال ترميم وصون الممتلكات والمعالم التاريخية والثقافية، وهو ما كان له قيمة كُبرى بالنسبة لمعرفتها ونموها المهني. وقد تقدمت من كونها بدأت كمتدربة في مجال تقييم المباني المتضررة في صنعاء إلى الإشراف على ترميم المباني. وخطوة بخطوة، اكتسبت الثقة وأثبتت خبرتها من خلال العمل الجاد والتفاني.
كانت أول مهمة لي في الإشراف على ترميم منزل صعبة للغاية، حيث كان المبنى في حالة سيئة للغاية. وكانت التحديات عديدة، بدءًا من التعامل مع أصحاب المنازل القلقين وحتى عمال البناء الأكبر مني سنًّا الذين لم يقبلوني في البداية كمشرفة عليهم. بالإضافة إلى ذلك، واجهت تأخيرات في المواد. لكنني لم أستسلم. وتدريجيًا، تعلمت التواصل بشكل فعال مع عمال البناء، وتمكنت من توجيه العمال بكفاءة، وإدارة المشاريع بشكل مستقل. لقد حفزتني هذه التجربة وأزالت ترددي وخوفي السابقين. لقد اكتسبت احترام وثقة المجتمع
وعلى غرار النجاح الذي حققته رادة، ستواصل اليونسكو والاتحاد الأوروبي تنفيذ مبادرات شاملة وجامعة وتمكينية تساهم في تحسين سبل عيش المجتمعات في مختلف أنحاء اليمن. وتهدف هذه الجهود إلى تمكين الشابات والشبان من عيش حياة مُرضية وأن يصبحوا أبطالاً يقودون العالم نحو مستقبل مستدام.