Yeslum's transformative journey Yemen

قصة

تجربة الشاب اليمني يسلم محمد ورحلته نحو التغيير والتحول إلى الأفضل: إعادة بناء الحياة واستعادة الأمل

تحت أشعة الشمس اليمنية الحارقة، يشق يسلم محمد بن حازب البالغ من العمر 24 عامًا طريقه عبر ناطحات السحاب الطينية القديمة في مدينة شِبَام بحضرموت، وطاقته في أوجها. وبصفته عامل بناء مبتدئ، يقوم بترميم أبراج الطوب اللبن، مما يحيي روح المدينة القديمة المسورة في شبام، وهي أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو. في قلب وادي حضرموت، يبث عمله حياة جديدة في أفق المدينة الأيقوني، ويُسهم في صون تراث استمر لقرون.

إن العمل الشاق ليس غريبًا على يسلم محمد. فقد أجبره الصراع في اليمن على ترك المدرسة وتحمل مسؤولية إعالة أسرته. ومع عجز والديه عن توفير احتياجاتهم بسبب الأزمة الاقتصادية، كان على يسلم، باعتباره الأكبر بين أربعة أشقاء، أن يأخذ على عاتقه إعالة أسرته، ويستذكر ذلك قائلًا: "بصفتي المعيل الأساسي للأسرة، كنت أشعر دائمًا بإحساس كبير بالمسؤولية. غالبًا ما كنت أشعر بالعجز، وأخشى على سلامة عائلتي وأشعر بالعجز عن إيجاد حل لحمايتهم. لدي عائلة كبيرة - والدي وثلاثة إخوة وأخت. وقد تعيّن عليّ أن أضع احتياجات عائلتي في المقام الأول ولم أعد أستطيع تحمل تكاليف الدراسة. كان العثور على عمل صعبًا بسبب الأزمة. لقد كانت فترة صعبة للغاية".

في البداية، تولى يسلم أي من الأعمال المتاحة حينها؛ فساعد عمال البناء والنجارين في جميع أنحاء شبام. وقد علمه العمل الشاق مهارات قيّمة وعزز احترامه العميق للهندسة المعمارية للمدينة. وجاءت نقطة التحول عندما انضم في عام 2018 إلى مشروع منظمة اليونسكو "النقد مقابل العمل: تعزيز فرص كسب العيش للشباب الحضري في اليمن" الممول من الاتحاد الأوروبي. وللمرة الأولى، شعر بإحساس متفرد وبشغف؛ حيث لم يزوده المشروع بمهارات الترميم وإعادة التأهيل فحسب، بل أعاد أيضًا بعث أمله في مستقبل أفضل. مع كل لبنة يضعها، لا يعيد يسلم بناء شبام فحسب، بل يعيد أيضًا بناء مسار أكثر إشراقًا لنفسه ولأسرته.

عبّر يسلم عما يختلجه بالقول: "لم يكن لدي أي منظور للحياة - شيء واحد فقط، كيف أكسب لقمة العيش. لم نكن نخطط لأننا لم نكن نستطيع رؤية المستقبل. عملت في البناء لسنوات عديدة، كان الأمر مرهقًا جسديًا

ونفسيّا. كانت هناك أيام كانت فيها الشمس لا تُطاق، وبدا العمل لا نهاية له، لكن لم يكن لدي خيار. كان تفكيري الوحيد هو الصمود حتى اليوم التالي، فقط لمواصلة العمل من أجل عائلتي". مضيفًا: "لكن الانضمام إلى هذا المشروع أعطاني الأمل. لقد أعطاني شيئًا أتطلع إليه، شعورًا بالهدف. الآن، كل لبنة أضعها لا تهدف فقط إلى تلبية احتياجاتي؛ بل إنها تتعلق ببناء مستقبل يمكنني أخيرًا تخيله - ليس فقط لنفسي، بل ولأسرتي بأكملها ومجتمعي".

متسلّحًا بحماسة شديدة، استغل يسلم كل فرصة للتعلم وأتقن بسرعة مهارات جديدة. وقال في هذا الصدد: "لقد تعلمت كيفية تحديد المشكلات في المباني، وكيفية التعامل معها وحلّها. لكن المهارة الأكثر أهمية التي اكتسبتها كانت العمل في السقالات، وهو أمر ضروري لترميم هذه الهياكل التاريخية الشاهقة". وقد تسنّى له من خلال إتقان العمل في السقالات، الوصول بأمان إلى المناطق الصعبة وضمان إتمام مهام الترميم بدقة ومهنية. كما منحت هذه الخبرة الجديدة يسلم شعورًا بالثقة كان مفقودًا عندما بدأ. في البداية، شعر بالدونية مقارنة بزملائه الأكثر خبرة، وشكك في قدراته. وقال في هذا السياق: "عندما انضممت إلى المشروع لأول مرة، شعرت وكأنني أحاول فقط مواكبة ما يجري من أعمال. ولكن مع تعلمي وتطبيقي لمهارات جديدة، أدركت أنني أستطيع القيام بالعمل بنفس الكفاءة التي يتمتع بها أي شخص آخر". وفي غضون أشهر، تقدم يسلم من عامل بناء مبتدئ إلى حرفي ماهر، وحظي باحترام أقرانه. ويقول: "الثقة هي أحد أكبر التغييرات التي مررت بها. والآن، أعلم أنني أستطيع قيادة فريق من العمال الشباب. لدي المهارات اللازمة، وأؤمن بنفسي باعتباري عامل بناء ماهر قادر على توجيه الآخرين".

Yeslum's transformative journey Yemen

عكف يسلم خلال المشروع، على ترميم ثمانية منازل، بما في ذلك منزل عائلته. كان منزلهم قد تعرض لأضرار جسيمة بسبب النزاع والتعرض المستمر للأمطار الموسمية، مما جعله في حالة يرثى لها ويحتاج إلى تدخل عاجل. وقد سعد يسلم وأسرته عندما تم اختيار منزلهم كجزء من مشروع إعادة التأهيل، معبّرًا عن ذلك بالقول: "لقد اختفى الخوف المستمر من تعرض عائلتي للخطر". "أخيرًا، شعرت أنهم يعيشون في منزل آمن". جاء هذا الاطمئنان في وقت حرج، خاصة مع اقتراب موعد زفاف شقيقته الصغرى. سمح المنزل الذي تم ترميمه حديثًا لعائلته بالاستعداد للاحتفال بطمأنينة وفرح. "منزلنا يعني الكثير بالنسبة لنا. لقد كانت لدينا علاقة عميقة بهذا المنزل منذ الطفولة، وكان من الصعب التفكير في تركه واستئجار مكان آخر بسبب عدم قدرتنا على تحمل تكاليف الترميم. الآن، نشعر براحة كبيرة، لأننا نعلم أنه يمكننا البقاء في المنزل الذي يحمل الكثير من الذكريات والمشاعر الإيجابية الرائعة".

منذ عام 2018، كان يسلم جزءًا من مشروع منظمة اليونسكو الممول من الاتحاد الأوروبي، والذي تطور إلى مبادرة أكبر مدتها ثماني سنوات، بما في ذلك مشروع "توظيف الشباب من خلال التراث والثقافة في اليمن" الجاري تنفيذه (2022-2026). طوال هذه الرحلة، كرس يسلم نفسه لاستعادة وصون وحماية التراث الثقافي لليمن، حيث ساهم بمهاراته وشغفه في كل جانب من جوانب العمل. ويقول بهذا الشان: "لقد أعطاني هذا المشروع إحساسًا بالهدف ومكّنني من رؤية إمكانيات المستقبل التي لم أكن أعتقد أنها ممكنة أبدًا". "آمل أن تستمر مثل هذه المبادرات - ليس فقط للحفاظ على التراث الغني لليمن ولكن أيضًا لإلهام شبابنا وخلق فرص العمل اللازمة وتعزيز تنمية المهارات". بالنسبة ليسلم، فإن كل طوبة أو لبنة يضعها تمثل أكثر من مجرد الحفاظ عليها - فهي تجسد الأمل ووعدًا بمستقبل أفضل لنفسه ولأسرته ومجتمعه ككل.

وعلى الرغم من إنجازاته وتطوره المهني السريع، لا يزال يسلم يواجه تحديات بسبب التقاليد المجتمعية والتحيزات المتعلقة بصغر سنه. ويقول: "بالنسبة لجمعيتنا من بناة الطوب اللبن، من الصعب قبول شخص في عمري كبنّاء ماهر، على الرغم من أنني أمتلك المهارات اللازمة". وفي شبام، غالبًا ما ترتبط السلطة والمكانة والتقدير بالعمر، مما يجعل من الصعب على يسلم أن يحظى بالاعتراف والتقدير الكامل من أقرانه. ويوضح يسلم في هذا الصدد: "يُعتقد أنه لا ينبغي السماح إلا لمن هم فوق سن 45 أو 50 عامًا بالقيام بأعمال السقالات. إنهم يعتقدون أنها صعبة وخطيرة للغاية بالنسبة للبنائين الأصغر سنًا، لكنني لا أتفق معهم". فمن وجهة نظر يسلم، فإن الشغف والتفاني والمهارة هي التي تحدد قدرة البنّاء، وليس العمر.

جدير بالذكر أن مشروع اليونسكو منح يسلم شعوراً بالاستقرار والأمل، وأمن له مستقبلاً لسنوات قليلة أخرى على الأقل. ولكن بالنسبة له، فإن هذا العمل لا يتعلق فقط بإتقان تقنيات البناء، بل يتعلق أيضاً بكسر الحواجز وتحدي الأعراف القديمة. ويقول يسلم في هذا السياق: "مع كل مبنى أقوم بترميمه، أثبت أن الموهبة والالتزام لا يقتصران على العمر. أريد أن يرى الشباب أنهم قادرون على تحقيق أي شيء إذا بذلوا قصارى جهدهم. أنا لا أقوم بترميم المباني فحسب؛ بل أبني مستقبلاً لنا جميعاً ــ مستقبل حيث يكون للشباب مكان، حيث نحظى بالثقة، وحيث تُقدَّرُ مهاراتنا ويُعترف بها". إن يسلم يمهد الطريق لجيل جديد في اليمن، مستعد لاستعادة تراثه وتشكيل مستقبل أكثر إشراقاً.

Yeslum's transformative journey

More about the Youth Employment through Heritage and Culture in Yemen