قصة

سيرة من صنعاء: الكنز خلف المنزل

كان المشهد البانورامي للمباني التاريخية الواقعة في حي القاسمي من أكثر المعالم المعمارية شهرة في ، وقد تأثر هذا المشهد المميز بالصراع اليمني الذي دمر عدة مبانٍ تاريخية وأودى بحياة الكثيرين وشرّد كثراً آخرين. وكانت سيرة، وهي سيدة أرملة لديها ولدان وتعمل كمعلمة، قد أمضت 12 عاماً من حياتها في أحد هذه المنازل المميزة، قبل أن تضطر لمغادرته بسبب انهياره في حزيران/يونيو 2015. ولكن من وقتها وهي تفكر في ترميمه، فقضت السنوات الماضية وهي تطرق جميع الأبواب الممكنة مصرة على محاولة إعادة بناء ما كان يوماً أهم مكان في العالم بالنسبة إليها.

أتذكر كيف كان بيتي، وأنا أحتاج إلى استعادته، فهو مليء بالذكريات التي لن أنساها أبداً، على الرغم من الأزمة.
سيرة

أرغم النزاع سيرة على مغادرة منزلها بعد انهيار معظم أجزائه وتحطم أثاثه، فاستأجرت شقة صغيرة لإيواء طفليها، ولكن الإيجار الشهري أثقل كاهلها، فبعد وفاة زوجها في عام 2012، أصبحت هي المسؤولة عن تأمين الاحتياجات اليومية لعائلتها. وتستذكر سيرة المواقف الصعبة التي مرت بها بعد تركها منزلها، قائلة: "كانت أصعب لحظة عندما بدأت بجمع مبلغ الإيجار الشهري، وبالكاد كنت أقدر على توفيره للمالك". وتتحدث سيرة بقلق عن مستقبل طفليها فتقول: "من سيقف معهما وهما يتيمان، ووالدتهما لا تملك دخلاً كافياً". ولكنّ منزل سيرة البرجي الذي يبلغ من العمر 100 عام، كان يتداعى بمرور السنين، وهي كانت قد ورثته عن والدتها في عام 1997 لقاء نصيبها من ميراث والدها.

اقتصر دخلي على راتبي البسيط الذي أتقاضاه من عملي كمعلمة في إحدى المدارس الحكومية في صنعاء. وقد منعني تعطل الأجور بسبب الأزمة ونقص الموارد اللازمة للصيانة وارتفاع تكاليف الإصلاحات التي تفاقمت بسبب النزاع، من إعادة تأهيل المنزل.
سيرة

يعود أصل المنازل البرجية التاريخية في صنعاء إلى جنوب شبه الجزيرة العربية، وهي تعتبر الأكثر غنى في مرتفعات اليمن من ناحية التنوع والزخارف وتقنيات البناء، حيث تعكس التأثيرات الإقليمية المختلفة والمراحل التاريخية التي أثّرت في صنعاء.

ولم تثبّط التحديات المتعددة التي واجهتها سيرة من عزيمتها على إنقاذ منزل والدها، بل عززت من إصرارها على ترميمه بكل تفاصيله المعمارية الأصلية. فقد قررت في شباط/فبراير 2017، التخلص من عبء العيش في شقة مستأجرة وعلاج الصدمة التي واجهتها عائلتها، من خلال إعادة بناء منزل العائلة، ولكن لم يكن لديها سوى قدر ضئيل من المدخرات، فقررت بيع حليّها الذهبية.

لم يتبق لدي ما أنفقه على إطعام ولديّ، فقد صرفت كل ما أملك على إنقاذ المنزل.
سيرة

اختار منزل سيرة من بين أحد المباني الأكثر تضرراً التي تحتاج إلى ترميم عاجل في حي القاسمي، وقد خصص هذا الصندوق مبلغ 100 ألف دولار أمريكي لحي القاسمي، بالشراكة مع الصندوق الاجتماعي للتنمية، وبالتنسيق مع الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية في اليمن. وقد اختير منزل سيرة بناء على إجراء تقييم شامل للأضرار ووضع خطط لإعادة التأهيل في إطار ، الذي يتكرم الاتحاد الأوروبي بتمويله (12 مليون دولار أمريكي) وتنفذه اليونسكو. وعلقت سيرة على هذا الموضوع بالقول: "لقد تفاجأت وبكيت وشعرت أن الله استجاب دعائي وخلصني مع عائلتي من التضحيات التي كنّا نقدمها". وأفسح هذا التدخل السريع المجال أمام تثبيت هيكلَي الطابقين الثاني والثالث بصورة طارئة، الذي كان ضرورياً لضمان سلامة هذا المبنى التاريخي. فضلاً عن ذلك، نُفّذت أعمال إضافية في إطار المشروع الممول من الاتحاد الأوروبي استناداً إلى مبدأ النقد مقابل العمل، مما سمح للشباب من المجتمع المحلي بكسب دخل يومي من مساهمتهم في أعمال إعادة التأهيل.

وأكدت سيرة أنّ هذه الأعمال حققت حلمها وحلم ولدَيها بالعودة إلى منزلهم، الذي استعاد شكله وطابعه الأصيل تماشياً مع المواصفات التقليدية القديمة، وقالت: "أشعر بأمان واستقرار أكبر لرؤية ولدَي يعيشان في منزلهما. هذه مملكتنا وهما لن يتخليا عنها مطلقاً".

"لقد تفاجأت وبكيت [عند سماعي أنّ منزلي أدرج في المشروع المشترك بين اليونسكو والاتحاد الأوروبي] وشعرت أن الله استجاب دعائي وخلصني مع عائلتي من التضحيات التي كنّا نقدمها".

أقيمت عمليات الترميم بدعم من . ونودّ أن نشكر الأطراف المانحة لهذا الصندوق، وهي التالية: ، و، و، و، و، و، و، و، و، و، و. وكذلك أقيمت بدعم من مشروع "النقد مقابل العمل: تعزيز فرص كسب العيش لشباب المناطق الحضرية في اليمن" الذي يتكرم الاتحاد الأوروبي بتمويله.